هو رأس هذه الأرض وشوشة زرع البلد الأخضر ... الفلاح ابن الطمى وأخو الفجر وأبو الزروع جميعها ...
الفلاح جاعل مصر منذ فجر التاريخ جنة الله فى أرضه، هذا الفلاح أصل الحياة ومنبع الذوق فعلاً وقولاً.. ولست أدرى كيف صار الفلاح وهو علامة التهذيب وآية الكرم التى تمشى على الأرض، وابنته دليل الحياء، وزوجته صنو الشرف، وابنه نموذج الرّقي.. مستنزف القوى قليل الحيلة .. ينهش الكل فى لحمه !!
الفلاح ... روى القناه بدمائه و كان وقود الثوراث و صانع الثروات
من الإقطاع القديم إلى الإقطاع الجديد ..
تيجي المواسم وتعدي بمرارها الطافح لا جو بيرحم ولا سوق بيرفع ولا تاجر بيدفع
اما آن الأوان ليستريح ... من مزيد من دورات الأذى والضرر؟
ولنعود للتاريخ غير "البعيد" ونرى ما فعله اباءنا واجدادنا الفلاحين .. حيث تعاظمت حركة الفلاحين في الفترة من عام 1948 حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وتجسدت في معارك الفلاحين ضد الظلم والسخرة في "بهوت وكفور نجم وساحل سليم وميت فضالة والسرو ودراوة والبدارى ودرين وأبو الغيط".. والعشرات من قرى مصر شمالاً وجنوباً. واستشهد في هذه المعارك والانتفاضات الكثيرون من القيادات المناضلة من أجل حق الفلاح في الحياة، سواء من الأجراء ومعدمي وفقراء الفلاحين أو من أبنائهم المثقفين، أمثال الشهداء، عناني عواد وغازي أحمد والمحامي عبد الحميد الخطيب. و أدى الوعي الطبقي التلقائي للفلاحين -المتزايد بقدر ما يعانونه من عسف واضطهاد- والذي ازداد إدراكاً وإصراراً بدخول الفكر الاشتراكي والحركة اليسارية المصرية إلى كهوف فقراء الفلاحين والأجراء بعد الحرب العالمية الثانية، إلى قيام حركة نضالية فلاحية متسعة تستهدف استرداد حقوقهم الطبيعية في الأرض والكرامة والحياة الإنسانية.
ثم كانت ثورة يوليو فكانت تجسيد أمين لطموحات و آمال حركة الوطنية المصرية و بالذات فى قانون الاصلاح الزراعى والذى نحتفل فى ذكراه فى التاسع من سبتمبر بإعتباره عيد الفلاح المصرى و لا يمكن أن يختلف كل من عاش في مصر قبل 23 يوليو 1952 -مهموماً بأوضاعها وعاملاً أو آملاً من أجل تغييرها- على حجم ما أحدثه الإصلاح الزراعي من تغييرات كبيرة للتربة وللفلاح ، من خلال:
* إعادة تركيب هيكل الملكية الزراعية
* نمو الحركة التعاونية الزراعية وتعميق دورها في خدمة الزراعة والفلاحين.
* إقامة توازن نسبي بين الملاك والمستأجرين للأراضي الزراعية.
و منذ منتصف السبعينات و بعد سياسة الانفتاح الاقتصادى و الردة على منجزات ثورة يوليو قامت سياسات التكيف الهيكلي التي تبناها نظام الردة في المجال الزراعي، على عدة محاور أساسية:
1. تفكيك المؤسسات الفلاحية والزراعية (وهذا ما حدث للحركة التعاونية الزراعية).
2. إتباع سياسة ما يسمى "التصدير من أجل الاستيراد" (كزراعة الفراولة لاستيراد القمح).
3. رفع يد الدولة عن العملية الزراعية على كافة محاورها (الائتمانية والإنتاجية والتسويقية).
4. إطلاق العنان لقوى السوق بالنسبة لحيازة الأرض (مما كان وراء صدور قانون العلاقة بين المالك و المستأجر).
5. الاعتماد الرئيسي ـ وخاصة تجاه المتطلبات الغذائية على معونات المانحين (وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية).
وكان من الطبيعي أن يترتب على هذه السياسات:
** تقلص المساحات المنزرعة بالمحاصيل الغذائية أو اللازمة للصناعة الوطنية.
** ازدياد معاناة وهموم الفلاحين من السوق السوداء وحاشيات الاحتكار.
** تدهور الناتج الزراعي والاعتماد على الاستيراد من الخارج.
و أدت تلك السياسات الى مشهد الفقر و المرض و الجهل الذى عاد ليتصدر الصورة ، ليعيش الفلاحون المصريون تحت سياط القهر و الفساد و محاولات شرسه لإستعادة أراضى الإصلاح الزراعى منهم . و هو ما كان محلا لمعارك ضارية طيلة العقدين الفائتين فى بهوت و كفر بهوت و سراندو و كمشيش و كفور نجم و دكرنس " عزبة مرشاق و أشمون الرمان و منشأة عبد الرحمن و غيرها من القرى " .
ويعتبر البعض "الفلاح" صيدة وفريسة سهلة .. فيتكالب "الكل" ضده ويندفعوا فى موجات من الاستهتار ...
تلاقي الف "نقيب" فلاحين وليس لهم من خدمته "نصيب" وآخرين يرونه "صيده" سهلة لتمرير منتجاتهم "وخزعبلاتهم" لمزيد من استنزاف "راس ماله" المعدم ....
عاش الفلاح المصري -ولا يزال- في إطار معادلة ثلاثية مأساوية كما يقول المناضل عريان نصيف: منتجاً .. رغم فقره. مضطهداً .. رغم إنتاجه. مناضلاً .. رغم اضطهاده .
الفلاح المصري رغم دوره الكبير والمتعاظم في الاقتصاد المصري فإنه إلي الآن لا يتمتع بأي من الميزات التي تقدم للفئات الأخري, وتلك الفئة المهمة لا يوجد تنظيم قانوني يجمع شملهم ويدافع عن مصالحهم,
بيرم التونسى : صوت الفلاح ...
حاسب من اللي داخل بالشنطة يا فلاح
جايب شبك من بلاده والجوع طـرّاح
لا هو بيحرث ولا بيبدر ولا بيحصد ولا بيجمع
وبالتليفون يجيب مليون وميت مليون ولا يشبع
و سيظل السؤال قائم .. من يتنبى مطلب الفلاحين بإنشاء نقابة تعينهم على مواجهة الجور و القهر و الفساد ، و تعينهم على مواصلة رحلة الحياة بمظلة التأمين الصحى و التأمين الإجتماعى و تكون صوتا لهم و تعبيرا صادقا عن آمالهم و طموحاتهم ؟.
للكلام بقية ما دام الفلاح باق فى أرضه ....
دكتور محمد علي فهيم - مركز البحوث الزراعية